الحشد الشعبي .. أقنعة عراقية لولاية إيرانية جديدة في الشرق الأوسط
قراءة مفصلة / يوسف المعمري
تعيش العراق عقود من المآسي والفوضى وهي من بين أكثر دول المنطقة التي تعاني من التدخلات الخارجية والإضطرابات المحلية، كان أخرها سيطرة تنظيم داعش الأرهابي على مساحات واسعة، أضطرت خلالة قيادة الدولة والأطراف الدولية إلى إتاحة الفرصة للمكونات المحلية الشيعية لتحرير المدن من قبضة داعش، وكانت أبرز هذه المكونات هي تشكيلات شيعية كحزب الله العراقي وعصائب أهل الحق المدعومتين من إيران، وبعد أن أكتسبت الهيئة الزخم الشعبي مع معارك التحرير ضد التنظيم أنضم إلى صفوفها العديد من المكونات مستغلة الدعم والأطار القانوني الممنوح لها من قبل الدولة، الا أنها تحولت لاحقا إلى مليشيا مصنفة أرهابيا لدى العديد من دول العالم، حيث تتشكل مكونات هذه القوات من حيث النشأة والتكوين على أساس طائفي وتعبئة مشابهه لتلك التي تتلقاها جميع الأطراف الموالية لإيران في المنطقة، كما أنها قد طرأت عليها مؤخرا تنفيذ أعمال عدائية مباشرة تخدم المحور الإيراني كقصف قواعد التحالف والمشاركة في أعمال قتال خارج أطار الدولة العراقية بالتعاون مع حزب الله اللبناني في الأراضي السورية كان اخرها في حلب ودير الزور .
مؤخراً باتت هذه التشكيلات تنتهج نهجا واضحا ومواليا لإيران، سواء من خلال قتالها في سوريا اومن خلال تنظيمها للفعاليات الطائفية بالإضافة الى نهجها الفكري الموحد لإطراف وجماعات إيران في المنطقة، كما أنها تعتبر نفسها وبشكل واضح جزء لايتجزأ من محور المقاومة الذي تديره إيران في المنطقة، وقد ظهر هذا بشكل واضح خلال الصراعات الأخيرة في المنطقة وخصوصا بمواقفها فيما يتعلق بملفات كلا من فلسطين واليمن وسوريا ولبنان .
النشأة والتكوين
مع معركة العراقيين ضد تنظيم ” داعش ” برز الحشد الشعبي مع أطراف أخرى مقاتلة ضد العدو المشترك، حينها لم يكن لدى العراقيين سوى هدف واحد هو التخلص من التنظيم دون إدراك أي تبعات قد تترتب على إعلان التشكيلات المسلحة والتي انشأت على أساس مذهبي وديني، حينها تشكل الحشد الشعبي بعد فتوى الجهاد الكفائي التي أطلقها المرجع الشيعي، علي السيستاني، في ٢٦ يونيو ٢٠١٤ عقب سيطرة تنظيم “داعش” على ثلث مساحة العراق وأُقر بعدها وبشكل رسمي في ٢٦ نوفمبر ٢٠١٦ قانون هيئة الحشد الشعبي بعد أن صوت عليه مجلس النواب، ليصبح بذلك قوة رسمية خاضعة لرئيس الوزراء العراقي والقوات المسلحة العراقية، الا أن الهيئة أستطاعت أن تطوي الدولة تحت هيمنتها ونفوذها العسكري بدلا من أن تندمج ضمن أطارها كقوة عسكرية مساندة، فأصبحت القوة الأبرز والمسيطرة على جميع أنحاء العراق .
يبلغ عدد مقاتلي الحشد الشعبي حوالى 200 ألف مقاتل، يشكلون 67 فصيلًا، مستمرين في التوسع والنفوذ بعد أن كانو يمثلون أقل من نصف الافراد والتشكيلات أثناء المعارك مع التنظيم، حيث بدأت الفصائل أولى عملياتها تحت لواء الحشد الشعبي في الربع الأخير من سنة 2014 التي شهدت احتلال تنظيم “داعش” لثلث مساحة العراق، وبدأ معها الحشد بفرض نفوذه في أغلب محافظات نينوى وصلاح الدين والأنبار أثناء عمليات التحرير .
أستمر حينها نفوذ الحشد الشعبي بالتوسع خلال السنوات الماضية في محافظات العراق؛ إذ ساعد خضوعه لمنصب قائد القوات المسلحة العراقي بمشاركته بأغلب العمليات الأمنية بالتعاون مع قيادة العمليات في المحافظات .
خبرة تحوّلية: فهم انخراط «الحشد الشعبي » في مفاصل الدولة العراقية وسيطرته عليها
تستغل إيران وبشكل واضح قضايا المنطقة لصالح تشكيل جماعات وأطراف عربية، حيث تتبنى المواقف الشعبوية الفارغة، وتستدعي المظلوميات والقضايا الحساسة كالقضية الفلسطينية بهدف تحريض الشارع ضد أنظمته للسيطرة عليها وتوسيع نفوذها، كان أخرها حجة محاربة داعش في العراق مستغلين بذلك رغبة العراقيين الملحه في التخلص من التنظيم، حيث تكونت حينها نواة الحشد الشعبي من بعض الفصائل المسلحة بعد أن أصدر نوري المالكي، رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة آنذاك، أوامر بتعبئة الجماهير وتشكيل هيئة الحشد الشعبي، كي يقفوا بوجه ” تهديدات داعش ” لبغداد وأطرافها، وبدأ الحشد الشعبي يوم 13 مارس 2014 بعد اجتماع بين نوري المالكي وقادة الكتائب المسلحة، ومن ثم ذهاب الكتائب إلى الفلوجة، واتفق على حماية بغداد وسامراء ومناطق غرب العراق، وقد تشكل الحشد في البداية من كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق ومنظمة بدر وقوات الشهيد الصدر، ثم توسع الحشد من المتطوعين الذين استجابوا لفتوى الجهاد الكفائي وهم بغالبهم من الشيعة وانضم إليهم لاحقا العشائر السنية من المناطق التي سيطرت عليها داعش في محافظات صلاح الدين ونينوى والأنبار وكذلك إنخرط في صفوف الحشد آلاف أخرى من مختلف المكونات، تعتبر بعض الميليشيات المكونة للحشد الشعبي جماعات إرهابية من قبل بعض الدول، بينما اتهم بعض المليشيات الآخرى بالعنف الطائفي .
فبينما يرى العبادي ان الحشد الشعبي ليس جيش نظامي بل هيئة منظمة مرتبطة بالقيادة العامة للقوات المسلحة صرح وزير الدفاع العراقي السابق خالد العبيدي بأن قوات الحشد منضبطة وتعمل بإمرة القيادات الأمنية العراقية، الا أنها باتت مؤخرا كقوات مستقلة تماما وتتبع وتمول من قبل إيران، ولها مواقف واضحة من قضايا المنطقة تتبنى فيها الموقف الإيراني المؤجج للصراع في المنطقة .
الحشد الشعبي واستراتيجيات القيادة والتنظيم ( قراءة وفرز للهيكل التنظيمي الخاص بالهيئة )
يتشكل الهيكل التنظيمي لهيئة الحشد الشعبي تحت قيادة رئيس الوزراء محمد السوداني كونه القائد الأعلى للقوات المسلحة ويتولى زمام الأمور فالح الفياض كونه رئيسا للهيئة، مع حلقة من المعاونين والمستشارين منهم أمين سر هيئة الحشد الشعبي، محمد الحلفي “أبو امتحان”، وأمين عام الهيئة تحسين مطر العبودي الحسيني “أبو منتظر”، وقائد عمليات الهيئة، عدنان إبراهيم محسن البصري “أبو علي”، ومستشار الهيئة معن الكاظمي، وسعود عزيز فاضل مفتش الهيئة،وأبو عمار الطيب مدير عام عمليات الهيئة، بالإضافة لحسين أسماعيل خليل مدير الدائرة المالية والإدارية العامة، فضلا عن ثامر التميمي والذي يعد أحد معاوني رئيس هيئة الحشد الشعبي .
ويرتبط منصب رئيس هيئة الحشد الشعبي، بمنصب رئيس أركان ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي الذي يشغله حاليا عبد العزيز المحمداوي (أبو فدك)، يسانده في ذلك معاونه لشؤون العمليات ياسر حسين العيساوي (أبو عامر)ومعاون شؤون الطبابة والمقاتلين ظافر فاضل حسين ومعاون مكتب رئيس الأركان رعد خلف المالكي (أبو فواز)، ومعاون الهندسة العسكرية نعمة الكوفي (أبو علي) ومعاون شؤون المحافظات جمال الدين الصغير (أبو ضياء) .
وتضم هيئة الحشد مديريات أساسية مرتبطة برئيس الهيئة ومعاونية منها مديرية التوجيه العقائدي ومديرية التخطيط ومديرية العلاقات العامة ومديرية الإعلام ومديرية الاستخبارات ومديرية مكافحة المتفجرات ومديرية الحركات، فضلا عن مديريات التدقيق والرقابة والأمن، والشؤون القانونية .
ويتكون الهيكل التأسيسي لهيئة الحشد الشعبي، من مديريات ساندة منها معاونية الدعم اللوجستي ومديرية الشؤون الفنية ومديرية الرعاية الصحية ومديرية التربية والتعليم ومديرية الاتصالات .
التعارض القانوني والدستوري مع تشكيل الهيئة وقيادتها
حصل الحشد الشعبي على شرعيته بفتوى دينية تحولت لقانون أقره البرلمان العراقي، إلا أن مخالفات للدستور العراقي أوقعها الحشد بداية تأسيسه في المادة 9 أولاً، التي تنص أنه “لا يجوز للقوات المسلحة العراقية وأفرادها، وبضمنهم العسكريون العاملون في وزارة الدفاع أو أية دوائر أو منظمات تابعة لها، الترشيح في انتخابات لإشغال مراكز سياسية، ولا يجوز لهم القيام بحملات انتخابية لصالح مرشحين فيها ولا المشاركة في غير ذلك من الأعمال التي تمنعها أنظمة وزارة الدفاع ويشمل عدم جواز أنشطة أولئك الأفراد المذكورين آنفاً التي يقومون بها بصفتهم الشخصية أو الوظيفية دون أن يشمل ذلك حقهم بالتصويت في الانتخابات” .
خالف عدد من قادة الحشد الشعبي هذه المادة إثر انخراطهم بالعمل السياسي على رأسهم رئيس هيئة الحشد الشعبي و مستشار الأمن الوطني ( 2009 – 2018 ) فالح الفياض برئاسة حركة عطاء السياسية منذ 2014 حتى 2020، كون أن المادة -1- أولا من قانون هيئة الحشد الشعبي المقر من البرلمان أكدت أن هيئة الحشد الشعبي المعاد تشكيلها بموجب الأمر الديواني جزء من القوات المسلحة العراقية، وهو ما يخضعها للمادة 9 من الدستور العراقي .
بينما وقعت المخالفة نفسها مع قانون هيئة الحشد الشعبي المقر من قبل البرلمان المادة -1- ثانيا النقطة خامسًا؛ إذ نصت المادة على أن يكون ما ورد من مواد بالأمر الديواني (91) جزء من هذا القانون وهي :
1. يكون الحشد الشعبي تشكيلا عسكريا مستقلا وجزءا من القوات المسلحة العراقية ويرتبط بالقائد العام للقوات المسلحة .
2. يتألف التشكيل من قيادة وهيئة أركان وصنوف وألوية مقاتلة .
3. يخضع هذا التشكيل للقوانين العسكرية النافذة من جميع النواحي ماعدا شرط العمر والشهادة .
4. يتم تكييف منتسبي ومسؤولي وآمري هذا التشكيل وفق السياقات العسكرية من تراتبية ورواتب ومخصصات وعموم الحقوق والواجبات .
5. يتم فك ارتباط منتسبي هيئة الحشد الشعبي الذين ينضمون إلى هذا التشكيل عن كافة الأطر السياسية والحزبية والاجتماعية ولا يسمح بالعمل السياسي في صفوفه .
6. يتم تنظيم التشكيل العسكري من هيئة الحشد الشعبي بأركانه وألويته ومنتسبيه ممن يلتزمون مما ورد آنفا من توصيف لهذا التشكيل وخلال مدة (3) (ثلاثة أشهر) .
الإندماج وأتساع خارطة النفوذ
تأسيس الحشد الشعبي وإقرار قانون الهيئة التابعة لرئيس الوزراء سبقته محاولات عدة لدمج الميليشيات في المؤسسات العسكرية في إطار عمليات الحد من انتشار السلاح المنفلت إلا أن قانون الهيئة ودمج وانضواء العديد من المليشيات تحت لواء هيئة الحشد الشعبي وتصنيف العديد من الفصائل والشخصيات المشكلة للحشد الشعبي ضمن قائمة الأرهاب منها حركة النجباء ورئيسها أكرم الكعبي وعصائب أهل الحق وزعيمها قيس الخزعلي وحزب الله العراقي أوقف هذه المساعي إلى أن أحياها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في تشرين الثاني/نوفمبر 2016 حينها طالب بدمج الحشد الشعبي بالقوات الأمنية ودعا إلى إبعاد ” من باع ثلثي العراق عن الحشد” .
كرر الزعيم الشيعي مطالبه في آب/أغسطس 2017، عندما طالب رئيس الوزراء آنذاك، حيدر العبادي بدمج قوات الحشد الشعبي بالقوات الحكومية وسحب السلاح من جميع الفصائل بهدف إبعاد شبح “الإرهاب” ومواصلة الإصلاح، ثم كان أول المؤيدين لقرار رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي الصادر بـ تموز/يوليو 2019 والقاضي بضم كافة تشكيلات الحشد الشعبي للقوات المسلحة وإغلاق مقراته وهو ما أيده زعيم ائتلاف النصر ورئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي .
بدأ المرجع الديني الشيعي علي السيستاني نهاية 2017 بالدعوة إلى وضع “كل الأسلحة التي استخدمت لمحاربة المتشددين تحت سيطرة الحكومة العراقية” ولم تلق هذه الدعوات الأذن الصاغية رغم التأييد الكبير الذي ناله مقترح الدمج إلا إن ضغوطا سياسية وإقليمية حالت دون التطبيق مع تصاعد المخاوف من أن تكون الفصائل المشكلة للحشد الشعبي والحاملة لإيديولوجيات متباينة ومراكز أوامر مختلفة بانت جلية في السنوات الأخيرة أبرزها تهديدات أطلقت بحق القائد العام للقوات المسلحة آنذاك، مصطفى الكاظمي، واقتحام المنطقة الخضراء من قبل فصائل تابعة للهيئة باستخدام عجلات رسمية تابعة لـ”الحشد الشعبي”، بداية تشظي القرار العسكري واختلال العقيدة العسكرية في العراق .
ويرجح الوسط السياسي الشيعي أن الحشد الشعبي قد خسر شرعيته الدينية بانفكاك الألوية التابعة لمرجعية رجل الدين علي السيستاني من “هيئة الحشد الشعبي” في كانون الأول/ديسمبر 2020، بعد مطالبات بـ الإيذان بتفكيك ودمج هذه المنظومة التي حصلت على شرعية حمل السلاح بعد فتوى السيستاني ورغم الانشقاق إلا أن المرجع الشيعي استمر بأرسال رسائل شدد من خلالها على ضرورة عدم استغلال اسم الحشد لتحقيق “مآرب سياسية” .
التشكيلات المقاتلة
وتتكون تشكيلات الحشد المقاتلة من قيادة عمليات نينوى والتي يترأسها، خضير المطروحي، ومعاونه أبو تراب الهلالي ، وقيادة عمليات بغداد برئاسة حسين عبد العباس هليل السماحي (حسين سويدان أبو نورس)، ومعاونه محمد جبار، وقيادة عمليات البصرة برئاسة أبو جنان البصري (مهدي صالح عبد الواحد عبد الأمير البوبصيري)، ومعاونه عبد علي محمد الديراوي.
في حين يترأس طالب الموسوي قيادة عمليات ديالى ويتولى منصب المعاون مزهر ملا بريسم الشمري، ويتولى قاسم محمود مصلح الخفاجي رئاسة قيادة عمليات الأنبار مع معاونه أحمد نصر الله.
وفي منطقة الفرات الأوسط يتولى قيادة العمليات على الحمداني مع معاونه علي كريم الحسناوي، كما يتولى قيادة عمليات صلاح الدين، صفاء عدنان الساعدي، ومساعده مشتاق طالب الحساني.
ويتولى أبو حسام السهلاني، قيادة عمليات كركوك وشرق دجلة مع معاونه أبو ثائر البشيري، كما يتولى قيادة قاطع سامراء، أبو زينب السعيدي، ومعاونه، أبو مسلم الكناني.
بينما يتولى قيادة محور الشمال (تتبع قيادة عمليات كركوك بإدارة شبه منفصلة) أبو رضا يلماز النجار ومعاونه عرفان عبدالحسين محمد، في حين يتولى عبد الناصر سلمان العقابي قيادة حشد الدفاع.